مسبار الوعي!...
الفضاء ذلك المجهول الأكبر، تسبح فيه مجرات وشموس ونجوم، وأجرام سماوية لامتناهية. سواء كانت مضيئة، مشعة أو متوهجة ضمن مادة سوداء... لا نعرف عنها شيئًا، سوى ما ينقله لنا العلم من صور. لذا نجد أنه عبر التاريخ، كان قبلة كل من أراد استكشاف أسرار الكون والحياة والوجود...
مما أدى إلى تعدد أنواع ووسائل سبر هذا الفضاء المترامي الأبعاد. سواء كان من خلال مراقبة حركة النجوم... أو استخدام الإسطرلاب والمقراب ثم المسبار، وصولاً إلى مختلف المركبات الفضائية التي تتطلب أموالاً طائلة لتشييدها.
هل سبب ذلك، يعود إلى أن الإنسان عاجز عن سبر وعيه الباطني؟! أم لجهله بوجود مسبار وعي كامن فيه، بمقدوره سبر أغوار الفضاء واكتشاف الحقائق الكبرى؟!
إن الجهل بوجود اللامادة - الذبذبة، تسبب بالاكتفاء المادي. فنجم عنه فكرة السفر إلى الفضاء، ما أدى إلى التغاضي عن الناحية الخافية في الإنسان، طالما الانغلاق الفكري، لا يزال سدًا منيعًا أمام أي إمكانية للتطور على الصعيد الباطني. لاسيما بعدما أقفلت جميع حواس وعي الباطن... والتي هي بمثابة مسابير أمل واعد، بإمكانها تقصي أبعاد فضاء الوجود الكلي... لكنها تتطلب شفافية باطنية، ترتكز على جبروت الإرادة والعطاء المعرفي الذي يهدف إلى الخير العام.
وعصر النور والمعرفة عصر الدلو، سوف يؤسس لكيفية استخدام مسبار الوعي... حينما يصبح شغف اكتشاف الفضاء، موازيًا لشغف اكتشاف فضاء الفكر... وذلك بعد مخاض عسير، يكشف أن الفضاء الظاهري، انعكاس لأفضية عوالم وعينا الخفية...
لقد صدق من قال: "وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر". وهذا ما أدى إلى نشوء علم النجوم الفوثاغوري الذي تحدث عنه سقراط في كتاب the school of phythagoras (دار الضحى للنشر- الطبعة الثالثة 2013) في صفحة 14، حينما ذكر:
" لا ينبغي أن نقصر دراسة علم النجوم وحركاتها المرئية فقط، بل يجب استخدامها كوسائل للوصول ما وراءها إلى المبادئ الحسابية وقوانين الحركة التي تمثلها...".
مما لا شك فيه، أن علم النجوم الفوثاغوري قد استخدمه قديمًا المجوس، فاهتدوا إلى مكان تجسد المخلص يسوع المسيح... لكن لِمَ أهمل هذا العلم، وبات يقتصر البحث على كل ما هو مرئي وملموس؟! هل سبب ذلك يعود إلى الجهل بوجود الباطن، محتوى لجميع ما يتفاعل على ’شاشة‘ الفضاء؟!
لقد أوضح المعلم ساد غورو: "يجب أن يكون العلم مجرد سعي للمعرفة، وليس أداة جامحة للاستكشاف".
نستدل من ذلك، أنه يتوجب البحث مجددًا عن ذلك العلم الذي تحدث عنه قديمًا المعلم الحكيم فيثاغوراس. كونه بمقدوره فتح أبواب المعرفة الموصدة، الكامنة في الذات الإنسانية... كي نتمكن من سبر الناحية اللامرئية من الفضاء. ولا بد أن يكون، علم الذبذبة الذي يحقق انسيابية تفاعل الترابط بين وعي الظاهر ووعي الباطن... كونه يرتكز على الذبذبة رداء النور، فيما الذرة انعكاس لها قابلة للشك والتدقيق. لعلنا بذلك نكتسب حكمة الربط بين اللامادة والمادة، كلما كان المنطق السامي وجهتنا إلى نور الحقيقة المجردة من كل زيف، لاسيما بعدما تفتحت البصيرة التي بإمكانها سبر أغوار الفضاء اللامتناهي... وهذا ما سيجنبنا هدر الوقت الثمين، والأموال الطائلة التي يمكن توظيفها في أمور تساهم في تطوير الوعي البشري.
فما الفائدة من السفر إلى كوكب لاستكشافه والعيش عليه، بعدما هجرته الحياة؟!
نعرف أن فضول العلم لا حدود له، لاسيما بعدما استحوذ الفضاء بكافة أجرامه على الخيال العلمي، شرط ألاّ يؤدي ذلك إلى الضياع في متاهات المصير. إذ كل ما يتوجب القيام به، إزالة أغشية اللاوعي التي تحجب الحقيقة عن مسابير حواس وعينا الباطني... والتي بإمكانها سبر ماضي الإنسان البعيد الذي أدى إلى دمار حضارة بكاملها... بالإضافة إلى اندثار الحياة على بعض الكواكب، ومنها كوكب المريخ. لعله يصبح بالإمكان، السفر عبر الجسم الكوكبي... إلى كواكب نظامنا الشمسي، بعدما اضمحلت السلبيات التي كانت تعيق تفتحه.
نشير في هذا الصدد إلى ما ورد في الموسوعة الفلكية الحديثة (عماد مجاهد)، في صفحة 169- 170 : " سطح المريخ ربما كان مليئًا بأنهر من المياه، وحدث بعد ذلك جفاف على سطحه لظروف معينة، كما أظهرت الصور أيضًا وجود صور لوجوه إنسانية أطلق عليها (الوجوه المريخية)...".
هل فعلاً هذه الوجوه المريخية قامت بنحتها الطبيعة كما يدعي البعض؟! أم إنها شيّدت من قبل حضارة متطورة سبقت عصرنا الحالي؟! وهل صدفة أسبغت على كوكب المريخ Mars صفة إله الحرب؟!
كتاب العقيدة السرية، (الجزء الثاني للمعلمة هيلينا بتروفنا بلافاتسكي)، ورد فيه:
"المريخ هو مانغالا Mangala الهندوسي، وكوكب المريخ، متطابق مع كارتيكيا Kartikeya ، إله الحرب".
مما يدل أن التغاضي عن الماضي البعيد... نتيجة ضيق المدارك وضعف الذاكرة، تسبب بوجود الجهل. فأبقى الإنسان مقيدًا بسلاسل المادة! ريثما يصبح بمقدوره كسرها.
إن كل ما يمكننا كشفه من حقائق، أن أثير الفضاء بمادتيه البيضاء والسوداء... هو في الحقيقة مرتع ونطاق تفاعل لمكونات وعينا السبعة... حيث كل كوكب يمثل مستوى وعي معين، يتناسب مع درجة تذبذب معينة، خاصة بأحد أجسامنا الباطنية... تفتحها يؤدي إلى تلاشي المادة السوداء من الفضاء، كلما استنارت نجمة فيه، مرتبطة بشعاع روح الإنسان.
لذا كواكب نظامنا الشمسي، تعتبر محطات وعي على مسار العودة إلى المحور الكوني، كما تشرح العلوم الباطنية... وللتأكد من ذلك، يتوجب على الإنسان توسيع دائرة وعيه، كي لا تلسعه مجددًا برودة قطبي المريخ!
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية