مسرحية ’ أي ساعة بيوصل الترين‘
’أي ساعة بيوصل الترين‘، محطة مشرقة في تاريخ المسرح اللبناني، نسجت قصتها من حياتنا الاجتماعية المندثرة، التي قضت عليها الحرب الأهلية، كما تقضي ثورات الطبيعة على المدن والمجتمعات البشرية بسبب جهلها لقوانينها.
فأعادت تسليط الضوء على ناحية معينة من حياتنا الاجتماعية أبان الاحتلال التركي لبلدنا ، ألا وهما القطار والمحطة، بعدما حذفتهما الحرب من حياتنا. فاستخدم المخرج ما تبقى من آثار لمحطة القطار في عاريا شويت، الذي تعطلت وتوقفت ساعته...حيث شكلت طبيعة المحطة التي لا تزال تبدو عليها آثار الحرب الأهلية، خشبة المسرح، فيما الأشجار المحيطة بالمكان بدت كأنها مدى لحركة تفاعل العمل المسرحي مع الحاضرين، بينما السماء المتلونة بألوان مغيب شمس آب كوّنت قبته. مما يذكرنا بالمسرح الإغريقي، مع فارق كبير أن المسرح آنذاك كانت تشاد له مدرجات خاصة به، حيث كان يشكل محور التفاعل الفني - الاجتماعي- الإنساني.
جرت أحداث المسرحية في الهواء الطلق في محطة عاريا شويت، دونما فواصل بين الممثلين والمشاهدين، مما سهّل التواصل والتفاعل فيما بينهم، كأنهم جميعاً يشاركون في صنع العمل المسرحي، حيث الجميع يبحث عن كنز دفين ... فكان لهم الحلم خير مرشد ... علّنا نحن بدورنا نهتدي بواسطة أحلامنا الى اكتشاف ما يحتوي عليه وعينا الباطني من كنوز دفينة غائرة في القدم. فإذا بمسرحية ’أي ساعة بيوصل الترين‘، كأنها بوصلة وعي لمن أراد فهم المعنى الخفي الذي انطوى خلف ستارة المسرح المنسوجة من حكم، وفن قصصي، وبراعة في التعبير والتمثيل، تنقل المشاهد من حيز الواقع الذي نتفاعل ضمنه، الى عالم آخر أصيل كان ينتمي إليه... فجاء النص المسرحي المكون من لغة عامية وفصحى وتركية، ينم عن وحدة تناسق يقوي التفاعل المشترك بين الممثلين والدمى المتحركة من جهة والمشاهدين من جهة أخرى، مشكلين لحمة تفاعل فيما بينهم، سواء هذا الحوار تناول حقبة زمنية معينة من تراثنا، أو طاول عالم الأحلام، عالم الباطن، الذي قامت بلعب أدواره الدمى المتحركة .
فالحلم كما نعلم له مكانة كبيرة في حياتنا، فلقد كان له الدور الأبرز في نقل مشاهد المسرحية من حدث الى آخر دون أن يشعر المشاهد بالملل والضجر، مما أضفى عنصر التشويق والربط بين حالات وعي الظاهر والباطن التي اختبرها بعض الممثلين وهم يسعون لاكتشاف مكان الكنز الدفين... فما كان للحلم إلا أن أرشد البعض الى هدفهم، فنقلوه إلينا في عمل مسرحي، آملين أن يأتي قطار وعينا لينتشلنا من جهلنا، علّه يعيدنا الى جنة المعرفة التي غادرنها منذ أزمان، بعدما دمّرت سلبياتنا عرباته ومركباته اللامادية...
مسرحية ’أي ساعة بيوصل الترين‘، التي عُرضت مجاناً في قريتي شويت، تصلح لتكون عنواناً حياتياً لمجمل تفاصيل حياة كل واحد منا.
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية