الجمال في الأبنية المعمارية فعل خيال أم عمل إبداع؟
الجمال هبة إلهية أنعم بها الخالق على مخلوقاته لأنها انعكاس لوهج أنواره...وما الطبيعة إلاّ برهان ساطع على قدرات الخالق في إظهار هذا الفن الإلهي!
فهل لسحر الجمال قوانين مخبوءة لا يدرك كنهها إلا كل من توغّل في باطنه الخفي الذي فيه تقبع المعادلات الرقمية الهندسية التي بواسطتها يستطيع الفنان تجسيد عمله الفني؟!
أم إن جمال العمل الفني الهندسي يرتكز فقط على براعة في نقل ما نشاهده من روائع جمالية هندسية في بعض المجلات المتخصّصة من اجل إدخالها في المشروع الهندسي لتتماشى مع الهندسة الحديثة؟!
الهندسة وعلم الأرقام صنوان لا ينفصلان، فغياب الرقم يعني غياب أي تمظهر سواء كان مادياً أم لامادياً. مثلما كل شيء في الوجود مؤلف من طاقة موجبة وطاقة سالبة. أيضاً الهندسة بجميع فروعها وتفرّعاتها ترتكز على الرقم لتظهر في الوجود بحلة أنيقة متماشية مع الطبيعة. مما يجعلها تؤثر بشكل ايجابي على كياننا الداخلي و الخارجي معاً، حينما تشيّد لنا منازل- قصور هي بمثابة جنة من جنّات الوجود...
هذا ما حاولت تجسيده قدر المستطاع عملاً فنياً رائعاً، من خلال مشروع فيلا للطبيب سامي نعمة في عين سعادة، بمشاركة المهندس إيليا خوري الذي في مكتبه اكتسبت العديد من الخبرات الهندسية التي مكنتني من إظهار المشروع بالشكل الحالي.
يتربّع المشروع على تلٍ في عين سعادة يطل على البحر في عقار تبلغ مساحته حوالي 740م2، وهو مربع الشكل تقريباً مزدان بأشجار الصنوبر، تحيط به بعض الأبنية السكنية الحديثة. وانسجاماً مع شكل العقار المربع استخدمت المربع كأساس هندسي في تصميم المشروع.
وإذا ما نظرنا الى الفيلا من أعلى يتبين لنا أن فكرة تصميمها مستوحاة من الهرم، قاعدة مربعة تكون معظم أرجاء الفيلا، يرتفع عليها أربعة مثلثات، يغطيها القرميد الأحمر اللون، حيث عند كل زاوية من المربع يرتفع عمود من الخرسانة المسلحة هو بمثابة الرقم واحد أو حجر الزاوية، يلتقي من ثم مع الأعمدة المتبقية ليشكلوا جسوراً خراسانية متخذين شكل الحرف اللاتيني X في أعلى نقطة من البناء. أما سطحه، وتحديداً في وسطه، فيقبع هرم زجاجي يضيء أرجاء الفيلا خاصة الجنينة الداخلية التي هي بمثابة القلب النابض أو الرحم الذي منه انبثقت الحياة... مما يشعرك بأنك تحيا بين أحضان الطبيعة لا في علبة خراسانية تتخللها بعض الفتحات.بينما مدخل البناء المواجه للطريق شكله الهندسي محدد من خلال تداخله مع مسطح الطابق الأرضي.
تتألف الفيلا من أربع طبقات مساحتها 700م2:
- الطابق السفلي يتألف من: غرفة ضيوف وغرفة متعددة الاستخدامات وملجأ وغرفة للخادمة وثلاثة حمامات ومرآب وتوابع وترّاسين من خلالهما نصل الى الحديقة الخارجية المليئة بالورود بمختلف ألوانها.
- الطابق الأرضي يتألف من: باحة خارجية محاطة بالجنائن نصلها عبر بوابة حديدية تشكل المدخل الرئيسي للبناء المزدان بجميع أنواع الزهور والأشجار.أما القسم الداخلي فهو مؤلف من مدخل ودرج دائري يربط الطابق العلوي بالطابق السفلي ويحتوي على حمام للضيوف ومطبخ وخلاء وصالونين وسفرة، تتوسطهم جنينة مربعة الشكل مزدانة بالورود مضاءة بهرم زجاجي.كما يحتوي الطابق الأرضي على فسحة من الخضرة تحضن الشرفتان الغربيتان اللتان تطلان على الجبال المحيطة والبحر. مما يتيح للقاطن التمتع بالمناظر الطبيعية الخلاّبة.
- الطابق العلوي يتألف من: غرفتي نوم وغرفة جلوس ومدفأة وثلاثة حمامات وغرفة للأهل وثلاثة شرفات تطل جميعها على مناظر طبيعية.بالإضافة الى سلم دائري يصل بنا الى السطح.علماً أن الطابق العلوي مجوف عند الجنينة والمدخل مما يتيح للقاطن التواصل ولو جزئياً مع الطابق الأرضي.
- السطح يتألف من : ترّاس غير مسقوف نصل إليه بواسطة سلم دائري ،ويحتوي على هرم زجاجي يسمح بمرور أشعة الشمس الى أرجاء الفيلا ، تحيط به الورود وتعلوه جسور خراسانية على شكل الحرف اللاتيني X التي تهبط الى طوابق البناء لتكون أعمدتها الأساسية .
واجهات الفيلا يغلب عليها الطابع التراثي القروي والحديث مما أعطاها طابعاً حضارياً مميزاً. فمعظم الجدران الخارجية مكتسية بالحجارة الطبيعية المنحوتة فيما عدا الطابق السفلي حيث حجارة واجهاته حجارتها محدودبة لتتأقلم مع حجارة المكان. جميع هذه الواجهات ازدانت بالخرسانة المسلحة حيث نجد أن الأعمدة الخارجية وسقف المدخل والكرانيش والجسور مكونة منها بالإضافة الى أن القناطر والمندلونين جعلا هذا المشروع يتمتع بصفات الحداثة والقدم معا.
يحيط بالفيلا من جميع الجهات حدائق غنّاء وممرات مرصوفة بالحجارة وأسوار مصنوعة من الحديد المشغول.كما تحتوي الحديقة على باربكيو وطاولة خدمة وترّاس فسيح من اجل إقامة بعض الحفلات وهي مضاءة بطريقة فنية ليلاً. مما جعل هذا العمل الفني الهندسي جوهرة خالدة تشع بأنوارها السحرية في الأرجاء.
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية