رسالة الممرض!...

 رسالة الممرض من أرقى الرسالات البشرية، ترتقي بالنفس البشرية إلى بعدها الإنساني... وذلك حينما يصبح محور وجودها قائم على تفعيل ثلاثية: خير – تضحية –عطاء. فتخفف من وطأة الشيخوخة، وتداوي الأمراض التي تفتك بأجساد البشرية، عبر تطبيقها الوصفات الطبية.

وكأنها تدرب منهجي على تحقيق النقاء الداخلي، كلما كان التواضع في ظل الحب الواعي، وجهته تحقيق الشفاء العاجل للمريض. في ظل الصبر، اليقظة الفكرية، طول الأناة والحنكة، بهدف مواجهة منطق اللااحتمال... تلافيًا للوقوع في حالات طارئة يتوجب علاجًا سريعًا لها، قد لا تنتظر وصفة طبيب.

فمهما كثرت الانتقادات التي توجه زورًا في أغلب الأحيان، ما هي سوى تجارب يتوجب تخطيها، طالما الهدف ولوج مستوى من الراحة النفسية والجسدية، لكل من يعاني من أوجاع جسدية وآلام نفسية، تداوى تباعًا عبر تعاقب الليل والنهار.

لذا، يتوجب تقدير مساعدات وعطاءات الممرض والممرضة، كونهما حجر أساس في بناء صرح الإنسان الداخلي الخالي من الأمراض... لأن عطاءهم الإنساني نابع من تفتح شاكرا القلب... والتي تبث دون انقطاع دفء عاطفة المحبة. فيتضمخ الكيان الداخلي بأنورها... ما يسرع عملية الشفاء.

مما يدل، أن العمل في هذا الحقل رسالة أكثر من أن يكون مهنة، لأنه تفعيل لمعاني الأمومة...حيث الأم تحتضن أولادها محاولة إبعاد الأمراض عنهم، كيما يصبح بقدورهم مواجهة تحديات الحياة. وكذلك رسالة الممرض تقتضي، بتقديم الرعاية والاحتضان في ظل تطبيق ارشادات الأطباء كي يستعيد المريض حركته السليمة وعافيته.

 قد يتساءل البعض عن الأسباب التي دفعت بالبعض لاختيار مهنة التمريض؟!

إن مهنة التمريض من أصعب المهن، قلة تستطيع ممارستها، لأنها تتطلب حالة توثب فكري، ودقة ملاحظة ومتابعة لحالة المريض، كي تزول مرحلة الخطر عنه. ولا بد أن يكون سبب ممارسة هذه المهنة – الرسالة، ناجم عن التضحية بهدف تحقيق رفاهية عيش الحياة.

 فيما الأسباب الخافية، قد يكون مردها عائد إلى تسديد ديون أعمال سابقة سلبية... فرضتها المكابرة وعدم مساعدة الآخرين. فتأتي الأعمال الإيجابية لتصحح الاعوجاج في المسلك البشري، كيما يرتقي إلى مستواه الإنساني، بعدما أصبح توجهه الخير العام. وذلك نتيجة الصدق والرقة في المعاملة والتواضع، في ظل خبرة مهنية نجمت عن الالتزام في خدمة البشرية، كيما يصبح بمقدورها مواجهة قانون الكارما، والذي فعَّل مرض معين نتيجة وجود صفات سلبية، اتخذت نقاطاً داكنة في الهالة الأثيرية، أو جسم الصحة في الإنسان...

هذه المهنة – الرسالة، لا يمكن الاستغناء عنها مهما تطور الذكاء الاصطناعي، وتكاثرت الاكتشافات الطبية، وازدادت وسائل المعالجة. كونها تلبي حاجات ملحة وطارئة، لاسيما حينما يستغيث رنين جرس المريض، بحبل خلاص...  يمده له الممرض أو الممرضة بسرعة، سواء كان ذلك في وقت متأخر من الليل، أو في وقت آخر من النهار، كيما ينقذه من الهلاك الفوري...

بورك الممرض، وبوركت الممرضة في عملهما المتقن، لأنهما ترداد لإيقاع المحبة، والذي يتجلى مساعدة خيرًا وعطاءً. بمقدوره أن يخترق مسام هالة كل إنسان مريض، من خلال ذبذبات الصحة... التي تبث له. فتتلقفها هالته مع كل تطبيب ورعاية متواصلة، ريثما يستعيد عافيته وصحته.

 

                                                                المهندس طوني عبد النور

                                                                أستاذ في الجامعة اللبنانية