المشاركة ودورها قي بناء المجتمع والدولة
الشمس، القمر، الكواكب، النجوم، والمجرات فعل المشاركة الكونية... بين أشعة نورانية فائقة الشفافية نسجت لحمتها ضمن فراغ كوني... أدى الى تواجد شبكة نورانية دائمة التفاعل المحوري. ثم ما لبثت أن انعكست في شبكة ذبذبية أسست للوجود الكلي... ليبقى عطاء المشاركة ينسج مسارات التطور الكوني اللامتناهي...
كذلك العمل الجماعي تفعيل للمشاركة الواعية، فهي تنسج مستويات من التواصل النوعي، هدفه تحقيق هدف مشترك. هذه المشاركة الحقة تنفذ الى عمق الوعي الباطني لكل فرد، لكي يتشارك الجميع خبرات الآخر، محققة التكامل والاكتمال بين أفراد فريق العمل.
سؤال لا بد من طرحه، هل هذه المشاركة تلغي عامل المنافسة والمضاربة؟! أم إن ما يهذبها هو العامل الإنساني والمصلحة العليا؟!
إن المسلك الفردي يتبدل لحظة الانفعال ضمن العمل الجماعي، ما يستفز ما كمن في وعي الباطن... ليكشف عن سره في خصال وصفات ومكنونات كامنة في النفس البشرية، تتجلى في الشخصية البشرية. فإن كانت هذه الشخصية مترفعة عن الأنانية والغرور والمكابرة، تجلت مشاركتها شراكة إنسانية فاعلة، ضحت بأوقات ثمينة وغالية لتنافس الآخر في خدمة الخير العام، مهما تعرضت لضغوطات خارجية. أما في حال تكشَّف مسلكها في تلك اللحظة، عن رغبات لإرضاء مصالحها الفردية، دلَّ ذلك على منافسة غير شريفة، نتيجة استخدامها لأساليب الغش والتحايل والتكاذب. مما يؤدي الى بروز الصراعات والخلافات بشتى أنواعها، يكشف الوجه السلبي من الأنا.
هذه المنافسة السلبية داخل الفريق الواحد... بالإضافة الى الاختلاف والتباين في الآراء، ستؤدي حتماً الى الفشل، نتيجة الانسحابات المتتالية... مما يؤدي الى فرط هذه السلسلة التي كانت مترابطة، وبالتالي ضياع الهدف المشترك المنوي إنجازه، بعدما تفككت اللحمة الداخلية. وهذا ما نصادفه أيضاً في البلدان النامية، حينما ينعدم التوافق بين أجهزة الحكم حول موضوع معين... فتنقل صراعاتها الى مختلف مكونات الدولة ممعنة في تفكيك أوصالها.
هل بمقدور هذه الخلافات أن تقود الى حروب وصراعات داخلية بعدما غُيِّب معنى المشاركة؟!
مما لا شك فيه أن كل فراغ ما لم يعبأ بطاقة إيجابية، لا بد أن يمتلئ بطاقة سلبية. وقد مرَّ وطننا عبر التاريخ بسلسلة من الحروب الداخلية والخارجية، بهدف ولوج دستور يحقق المشاركة الحقة بين الجميع. لكن كما يبدو أننا لا زلنا بعيدين عن تحقيق دستور إنساني يخدم المصلحة العليا... لأن التشريع البشري الفئوي والطائفي... لا يزال متفوقاً على التشريع الإنساني، بسبب عدم مقدرة الوعي الذاتي اختراق حجب وعينا الباطني... للتغلغل ضمنه، بهدف التقاط الحقائق الإنسانية والكونية... ومن ثم كتابتها ونصها ضمن دساتير وقوانين كما فعل بعض الفلاسفة في زمن الإغريق.
هذا الإمعان الخاطئ في تغييب منطق المشاركة القائم على التواصل البناء بين مختلف مكونات الدولة، سيزعزع أسسها ، بعدما فقد توازنها الداخلي... لذا المطلوب محاربة الفساد، من خلال تفعيل العمل الجماعي داخل نظام الدولة الديمقراطية، آخذين بعين الاعتبار دور مجلسي النواب والوزراء. بحيث الأول يشرِّع ويراقب والثاني ينفذ ويخطط، بينما رئيس الجمهورية قمة هرم نظام الحكم، يقيِّم الواقع ويقوِّمه بهدف ولوج مستقبل أفضل، من خلال توجيهه بوصلة وعي المجتمع والدولة نحو هدفها الإنساني، المترفع عن الانتماءات الخارجية... وذلك بالتعاون مع رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء، لكي يبرز هدف المشاركة في تحقيق التكامل الإنساني.
وهذا ما يشير الى أن الرقم ثلاثة قاعدة تفعيل الوعي الإنساني، في الكون، في الوجود، في المجتمعات البشرية ودولها. في حال فقدت إحدى ركائزه، اختل التوازن ونشأ الصراع، كون الرقم 3، رقم التكوين، والخلق، والسلطة القائمة على ثلاثية: توازن - توافق - مشاركة. كما إنه يشير الى مكونات ثالوث الوعي: إرادة – محبة – حكمة. تلك الحكمة التي نسعى إليها من خلال المشاركة الواعية المتوازنة التي تفعل أقانيم الأشعة الرئيسة الثلاثة، والمنعكسة في أجهزة الحكم من خلال الرؤساء الثلاثة.
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية