لوحات فنية نحتية للأستاذ مارون الحكيم
الفن مطلق الجمال! يفيض كشلالات أنوار من محوره نحو أقاصي امتداداته الكونية، راسماً لوحات فنية وجودية على رقائق أبعاد وعيه... فامتلأ رحم الفنون بأنواره الذبذبية عبرت عن تواجدها ألواناً وأشكالاً هندسية، تجلّى البعض منها في منحوتات ولوحات فنية تمجّد مبدعها، استطاع الفنان الأصيل أن يطلقها من سكونها القابع في أغوار بواطنه.
المعلم المبدع، الفنان النحّات مارون الحكيم، استطاع بعظمة فنه أن يبرع في كلا الفنين، النحت في الحجر والرسم التشكيلي.فحوّل الجماد الى جواهر فنية تخبر عن مراحل تمدد الزمن، فيما أرحام لوحاته غدت مفعمة بالحركة الذبذبية اللونية...كتعبير جمالي منسّق يشير الى درجة إتقانه للرسم والنحت. كأنه ينحت اللوحة بأزميل معاناته وبريشة عبقرية ألوانه، يخط حركة الذبذبات اللونية الكونية في فراغات لوحاته لينسج منها رؤاه ... بعدما سلّط عقله الباطني على باطنه الخفي القابع في أعماقه، ليربط بين ظاهر اللوحة وحقيقتها اللامرئية...
ولعل الفن التجريدي الذي تميزت به لوحات الفنان ، عبّر عن حركات لونية متسارعة شفافة شبيهة بالنور... وأخرى متباطئة الحركة سميكة وكثيفة تتمظهر في ألوان داكنة وأحياناً قاتمة، ليبقى التوازن اللوني قائماً في نسيجها الذبذبي. وكأن ألوان لوحاته أشعة روحية... تتماهى في خلقها لكائنات إلهية-بشرية تنبض بإيقاع جمالي يتدفق كشلالات نورانية ترسم أقصوصة الخلق والتكوين .
فإذا بمعرضه الفني " هكذا أرى، هكذا أشعر، هكذا أخلق"، محراب قداسة يخشع الزائر أمام قداسة لوحاته لما تحويه من أبعاد وجودية تكشف أسرار التكوين لحظة تدفق الأشعة الروحية اللونية من رحم الوجود...
وهذا ما يتكشف لنا من خلال المشهد الكوني الماورائي في لوحته الفنية " الله نور ". فمعظم أعمال هذا الفنان تفيض أنوار قداسة تنساب الى أعماقنا، لتتفاعل مع أبعاد وعينا، يشعر بها كل من تمتع بشفافية باطنية.
كأنه يحلق بوعيه الى عوالم هذه المنحوتات الفنية التي جسدها لنا مارون الحكيم أعمالاً فنية خالدة. فأصبحت اللوحة نافذة الى عوالم الحقيقة، يعبر من خلالها الإنسان الى تلك العوالم اللامرئية التي منها يستقي الفنان أسس فنه القدسي... إن الفنان مارون الحكيم الأستاذ الجامعي في كلية الفنون الجميلة- الجامعة اللبنانية، لهو خير مؤسس لفناني العصر القادم، عندما سينتهج طلابه مساره الباطني الأصيل. فلقد ذكر :" في أعماق بئر الذات، تترسب كل مشاهداتي وذكرياتي، شهواتي وأحلامي، هلوساتي وحقائقي. حين أحرك تلك الأعماق، تطفو الصورة الأصلية لمكنوناتي الى سطح الواقع. آنذاك تبدو الإنجازات الفنية في حلّتها العارية والصادقة."
فهل الفن التشكيلي سوف يكون مستقبلاً وسيلةً عملية تمكن الإنسان من ولوج باطن وعيه ؟!
مما لاشك فيه أن عباقرة الفن أمثال مايكل أنجلو، بيكاسو، نيكولاي روريخ، وكاندسكي، وغيرهم من الفنانين تمكنوا من ولوج أعماق ذواتهم، فبقت أعمالهم الفنية خالدة! فيما هؤلاء الذين لم يستطيعوا تحقيق ذلك بقوا في مستنقع لاوعيهم. هم أشبه بالرغوة أو فقاعات الصابون التي تزوي أعمالهم سريعاً دونما أن يتركوا بصماتهم في تاريخ الفن. مما يدل على أن مستوى تطور الفن مرتبط بمستوى النهل من الذات، وبالتالي الفنون سوف تغدو أداةً عملية لكل من أراد أن يتطور بوعيه شرط أن يبقى في تواصل مستمر مع عوالم وعيه الخفية...
حقاً إن الفنان مارون الحكيم استطاع أن ينهل من كتاب ذاته، "بئره العميق "، لينتشل منه مياهاً نقيةً عذبة تروي عطشنا للفن الأصيل...
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية