مهرجان معهد الفنون الجميلة الذهبي

          خمسون عاماً مضت على تأسيس معهد الفنون الجميلة، خمسون عاماً ومسيرة الفن في جامعتنا الوطنية لم تتوقف، خمسون عاماً وصناعة الجمال لا تزال في نشاط وتجدد دائم لا تقوى عليها قباحة الحروب.

          فما سر بقاء واستمرارية هذا المعهد الفني في وطننا الذي نحتفل بيوبيله الذهبي؟!

          اليوبيل الذهبي لمعهدنا، حدث علمي وفني، ممتلئ بالنشاط الإبداعي عبر المد الزمني المتنامي. يعتبر محطة من محطات الارتقاء على دروب الفنون، يكشف نسبة العطاء الفني التي أثمرت رقياً معمارياً، وتطوراً ثقافياً، ونهضة اجتماعية، كلما ثابر طلابه وخريجوه ولوج آفاق فنون... التي حيكت أبعادها بعبقرية أشعتها... فما من فنان ارتقى بوعيه، إلا ونهل من ينابيع الفن الأصيل، الفن الخالد، الفن الارتقائي التي تبثه ذواتنا، ومضات ونبضات الى فكرنا... كي يبقى معهد الفنون سفينة نبحر بها الى شواطئ الجمال الكامل ...

           هذه الذات الخفية، لا تضن علينا بث حقائق معرفية، تتوهج ألواناً شفافة وأشكالاً متناسقة، تتحول الى تعابير جمالية، يتم رسمها في لوحات فنية، وخرائط معمارية، وحياكتها في مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية قيمة،  طالما الهدف نبيلاً .

            والفنون الجميلة، لطالما كانت تعتبر مرآة لمستوى تحضر الشعوب، فهي تعتبر البعد الرابع من المعرفة الأصيلة... تتطلب إرادة صلبة لاقتحام بواطن الجمال، ومحبة تتوق الى كمال الانجاز، ليبقى مهرجان الفنون في جامعتنا اللبنانية، ينبض على إيقاعات متناسقة، متناغمة، تستمد تفاعلاتها من ثلاثية الهندسة الباطنية: الرقمية، الموسيقية، واللونية. هذه الهندسة تعتبر ركيزة كل جمال يتأهل ويتحضر ليتخذ شكلاً أو عملاً فنياً متكاملاً ضمن البعد الأرضي.

          إن معهد الفنون الجميلة الذي تأسس منذ خمسين عاماً، شهد تحولات عدة، لعل أبرزها تحوله الى أربعة فروع، حينما تمدد محور نبضه الفني في أربعة محاور فرعية، كونت قاعدة هرمية، احتلت أربعة أمكنة جغرافية متباعدة في وطننا. هدفها توسيع وتكثيف زخم الحركة الفنية بمختلف أنواعها، من خلال رفع إيقاع الفنون الجميلة ليلامس الفن الأصيل... فإذا بهذه الأعمال الفنية الناجمة عن انسيابية حركتها، تنتشر تألقاً ثقافياً، وإبداعاً عمرانياً في مختلف المناطق... مما حوَّل الفروع الأربعة الى شجرة فنية وارفة متشابكة أغصانها، تفعل مقدرات الشعاع الرابع... الذي يعتبر صلة وصل بين الأشعة الثلاثة الرئيسة: الأحمر- الأزرق - الأصفر، والأشعة الثانوية المتمددة منها، والتي بمجموعها تكون ألوان قوس قزح.

          فلو لم يتجزأ النور الأبيض في سبعة ألوان، لبقي الفن الكوني قابعاً في سبات عميق... ولو لم تتفرع المعرفة الى أربعة فروع: فلسفات، أديان، علوم وفنون لبقيت كامنة في باطن الإنسان... وكأنما صمت الفنون يهمس لنا، أن اللحمة الداخلية بين فسيفساء مجتمعنا اللبناني، لا بد أن تتحقق من خلال الفنون الجميلة، التي تفعل الجمال الداخلي... لأنها تمثل القوة المعاكسة للقباحة السائدة في النفس البشرية... جراء صقلها للشخصية، حينما تشذبها من أشواكها، منقية سماتها من أدرانها، فيتغلغل فيها كل جمال إنساني، يخدم المصلحة العامة. وذلك حينما نور الفهم يشق حجب الجهل، مؤسساً لمستوى ارتقائي من الوعي، يكسب الحكمة العملية.

           وهذا ما جعل من الفنون الجميلة، رحلة شيقة الى عوالم الحقيقة... يستقي وينهل منها كل فنان مبدع، سواء وعى الإنسان ذلك أو لم يعه. فهي سوف تبقى دوماً، منارة كل إنسان أضاع هدف وجوده، ترشده الى النواحي الخفية في كيانه التي بمقدورها أن تلامس الجمال الكلي اللامتناهي...                

                                                                            المهندس طوني عبد النور                                                                 

                                                                            أستاذ في الجامعة اللبنانية