لعبة كرة القدم!...
كلنا يسعى لتسجيل هدف ٍ في مرمى الحياة!... مهما اختلفت مستويات الوعي البشرية. وكلنا ينبغي أن يكون له هدفًا، يعتقه من مصاعب ألمّت به.
فحتى لاعب كرة القدم الذي يمضي وقتًا طويلاً في التدرب على فن إتقانها، يسعى لتسجيل هدفٍ في مرمى الخصم، ليرفع علم فريقه وبلاده عاليًا. فيما حارس المرمى العمود الفقري للفريق... يسعى بكلِّ ما أوتي من جهدٍ وعزم ٍ لصدّ الكرة، كي يبقى مرماه نظيفًا خاليًا من الأهداف التي قد ُتسجّل فيه على حين غرة. لكن الأهداف التي تُسجل عن طريق الخطأ في مرمى الفريق، عوض مرمى الخصم. تعد أكثرها إيلامًا، لأنها تطيح بجهود جميع اللاعبين.
ولا عجب أن كثرًا من المتحكمين في شؤون وطننا لبنان، قد برعوا بتسجيل هدف خاطئ تلو الآخر في مرمى بلاده، عوض أن يقوموا بتسجيل هدف صائب في مرمى الخصم. مما ضاعف من حدة الأزمة السياسية والاقتصادية، لاسيما بعدما تبددت اللحمة الداخلية بين كافة الأفرقاء...
هل من مرّة تفكّرنا إلاَ مَ ترمز إليه لعبة كرة القدم؟! ولماذا تجذب نسبًة كبيرًة من سكان عالم الأرض إليها؟!
نحن بتنا نعلم أنه ليس من صدف ٍ في الحياة، إذًا لا بدَّ أن تكون هذه اللعبة التي يتهافت لمشاهدتها أغلب البشر، تذكّرهم بالهدف الأكبر الواجب تحقيقه... خاصة أن الكرة التي يتقاذفها اللاعبون فيما بينهم، وهم يرسمون مثلثات وأشكال ٍ هندسيةٍ لولبيةٍ، بشكل ٍ بارع ٍ متقن، لتسجيل هدف ٍ في مرمى الخصم. ترمز إلى تبادل الخبرات بين الكواكب والشموس والنجوم بما فيها الأكوان... كما أن الموناد... نواة شعاع روحنا، كروي التكوين، كما تخبرنا العلوم الباطنية... قد تمدّد منه شعاع روحنا، قاطعًا أبعاد نظامنا الشمسي وصولاً الى كوكب الأرض، والذي يرمز إليه بملعبٍ كبير ٍ للحياة...
بينما فريق كرة القدم، ذلك الذي أحرز الانتصار تلو الانتصار، يبدو كأنه سيمفونية كونية في تبادله للكرات... تُصدر ألحانًا تتراقص على أنغام وعي الباطن... فتستقطب شغف جميع الأعمار، بعدما أصبح اللاعب عازفًا ماهرًا، يُحرّك الكرة – المحور، وفق خُطط وضعها مدربه، تفعّل المواجهة والمشاركة الواعية على حساب الأنانية والمكابرة، بهدف إحراز هدف مصيري... فيما حارس المرمى كالعيون الساهرة، يمنع المتطفلين من اختراق شباكه.
مما يدل أن الرياضة الواعية، ترويض للسلبيات بهدف اكتساب الايجابيات. والألعاب الرياضية بشتى أنواعها، ما وجدت عبثًا. إذ هي ليست قتلاً للوقت كما يظن البعض. بل وجدت لتمهّد الطريق، نحو ولوج مستوى من الرياضة النفسية، هدفها الريادة على النفس.
لذا نجد أن اللاعبين الشرفاء الذين يتميزون بأخلاق عالية، وصفات إنسانية... مهما واجهتم سلسلة من التحديات، وتعرضوا للانتقاد، ولأوجاع جسدية وصدمات ولكمات خلال المباراة. يحافظون على هدوئهم ورباطة جأشهم. فيثابرون على مواجهة سلبيات نفوسهم، كي لا تقفز إحداها من وعي الباطن الى الظاهر. طالما الفكر لا يزال مسيطرًا، متحكمًا بتقلبات المشاعر المتناقضة التي قد تطلق العصبية من جحرها.
نستدل من ذلك أن المرمى الأصغر - مرمى كرة القدم، دليل الإنسان الى مرماه الأكبر، الروح الكلية التي لا بد أن يُسجّل فيه الإنسان هدفًا معرفيًا، يحمل خلاصة خبراته التي فعّلها على الأرض.
عندئذ يصبح بمقدوره، أن يقذف ’بالكرة‘ نواة شعاعه روحه التي تفتّحت على كامل وعيها في مرمى الروح الكلية، كي يندمج الشعاع بشمسه...
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية