الديكتاتورية في المجتمعات البشرية
نظام الرأي الواحد، الأنظمة الديكتاتورية والتوتاليتارية (أي «حكم شمولي») وما شابهها، كلها تهدف الى بسط سلطة واحدة... خاضعة لرئيس معظّم، يعمد الى أخذ قرارات فردية تبرزه كزعيم أوحد. مما يؤدي الى إلغاء مبدأ المشاركة والعدالة، وبالتالي الخضوع التام لسلطته، سواء كانت قراراته صائبة أم خاطئة!
ورد في كتاب جمهورية أفلاطون (إعداد نظلة الحكيم ومحمد مظهر سعيد) في صفحة 30:" قد تعرف العدالة، ببساطة، بأنها مصلحة الأقوى، لأن بعض المدن يحكمها فرد مطلق (أوتوقراطي)، وبعضها يحكمه الشعب (ديمقراطي)، والبعض الآخر يحكمه الأشراف (أرستقراطي) وفي كل منها تكون السلطة العليا في يد الهيئة الحاكمة".
ماذا سيتأتى عن هذه الممارسة؟!وهل يا ترى نظام الوعي يرضى بوجود نظام يلغي حرية الفرد؟!أم أن النظام الديكتاتوري يعتبر ضرورة طبيعية لبعض الشعوب غير المتحضرة؟!
لو نظرنا الطبيعة من حولنا لوجدنا أن نظاماً يسيرها، نظاماً متكاملاً يسعى للسير بها، حيث شريعة الغاب سائدة، فالقوي يسيطر على الضعيف! مما يدفعه الى بناء مملكة خاصة به، حيث لا أحد يجرؤ على منافسته عليها، إلاّ إن تخاذل وخارت قواه.
ألا يشبه نظام الغاب هذا في بعض أوجهه، النظام الديكتاتوري الذي جعل من الفرد عبداً له، سواء كان مؤيداً أم معارضاً؟!
إن نظام الوعي يعمد على إنضاج شخصيات الآخرين، حتى لو أدّى بالرئيس الى خسارته لمنصبه، لأن الوعي يعبر عن تواجده من خلال ثلاثية محبة - حكمة - عطاء...لكن أغلب ما نشاهده، أن هؤلاء الأشخاص- القادة، الذين غالباً ما يتمتعون بحنكة سياسية، يعمدون الى انتهاج ديكتاتورية معينة تفقد مبدأ التحاور البناء. بالتالي هؤلاء الأعضاء المشاركين في الهيئة الحاكمة، ينصاعون رغماً عن أنفهم لقرار رئيسهم ليكتسبوا محبته ورضاه. مما يؤدي الى نتيجة واحدة، تصبح فيها جميع القرارات المتخذة، معبرة عن آراء هذا الرئيس المتغطرس المستبد! بينما نظام الوعي يلزم تحقيق المشاركة الواعية، من خلال الاستماع لمختلف الآراء بغية انتقاء الأنسب منها.
فحتى التعارض والتباين في الآراء والمواقف مقبول، شرط أن يسعى الى تحقيق التكامل الإنساني والمصلحة العامة، فلا يؤدي الى معارضة هدّامة. لأن التعارض يشار إليه بالرمز ( X ) يعتبر أساس الوجود، فهو يمثل ثنائية (الموجب والسالب)، المذكر والمؤنث.
إن الإنسان مهما علا شأناً في مجتمعه، إن لم تومض وتشرق في كيانه شعلة المحبة، فسوف تلسعه حتماً بأنوارها...لأن نور المحبة قداسة، وقداسة المحبة وعي! فالمحبة ينبوع إلهي لا ينضب.
فمهما كانت النظم الديكتاتورية متطورة، هي ليست بالضرورة حاجة، لأنها لا تسعى لتجعل من الفرد قائداً عالماً في بواطن نفسه، بل تقيد حريته وتوظفها لتخدم مصلحة الحاكم سواء كان عالماً أم جاهلاً، اتخذ قرارات صائبة أم خاطئة. فلا رقيب ولا حسيب، وهذا ما يرفضه نظام الوعي الذي سيطبق في عصر النور والمعرفة..
لكن بعضاً من هذه الأنظمة الديكتاتورية هي ضرورة في بعض مجتمعاتنا... الى حين أن يبادر الإنسان ويعمد على تطوير وعيه. فلا يعود بمقدور هذه الأنظمة أن تقمع حريته الواعية والمسؤولة، مما يؤدي الى اندثارها وتلاشيها من دون اللجوء الى الثورة والقتل والعنف. كذلك الأنظمة التوتاليتارية هي أيضاً بدورها سيخبو وهجها مستقبلاً ليبزغ النظام العالمي الجديد، نظام الواحد في الكل والكل في الواحد، بمعنى الفرد يسعى للوعي ونظام الوعي يسعى لتطويره، بغية تحقيق هدف الوجود، التطور في كافة النواحي الحياتية المادية واللامادية...
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية