دولتي!...
دولتي! كم تمنيت أن نسير باتجاه هدف واحد، يكون خير سعي نحو الوحدة!
دولتي! لطالما حلمت أن أصحو على وحدة منطقها التفاعل البناء، تخلو من النزاعات
الفئوية والصراعات الطائفية.
دولتي! ألهمينا الى وحدة تؤسس للمشاركة الواعية بين أطيافك، لعلنا بذلك نتعرف على
منطق الوحدة.
لكن تحقيق ذلك في عالم تملأه التناقضات... أصبح عملاً مستحيلاً، بعدما استشرى التحايل
والأنانية والعناد. وهذا ما أدخلنا في صراعات داخلية وخارجية، أسست للتجزئة
السلبية، بعدما غاب العامل الإنساني. فتواجد الألم بشتى أنواعه... والذي عبر عن
تواجده في المجتمع من خلال الفقر، وخلل في الميزان التجاري.
إن الوضع الاقتصادي المتأزم، هو صورة عن التأزم الداخلي في عيش الحياة.
فالتلكؤ والمماطلة وهدر الوقت، يدل على هدر في ميزان الاقتصاد الداخلي والخارجي.
فالمطلوب فورًا وضع برنامج زمني عملي، يصحح هذا الخلل والتضخم في الاقتصاد سواء كان
ذلك على صعيد الباطن أم الظاهر. كي لا نتعرض لمنطق اللا-احتمال...
لكن الدفع المباشر باتجاهه، لا بد أن يؤدي بعد ألم المخاض الى تحقيق مستوى معين من
التوازن... يعبر عن وجوده من خلال الرخاء والسلام والسعادة. هذا في حال
استيقظ الشعور الوطني من سباته، الذي لا بد أن يؤسس لحوار بناء، ينجم عنه خريطة
طريق تضبط إيقاع حركة الدولة، باتجاه نظام إنساني علماني عادل يجمع جميع القوى
الفاعلة، كي تضمحل التأثيرات السلبية الداخلية والخارجية على قراراتنا. مما يمهد
السبيل لبناء دولة عادلة، محورها الباطن الإنساني...
الحياة لا تماطل، كذلك نظام الوعي الجديد... الذي بدأت تتجلى بنوده في عصر النور
والمعرفة. نستدل من ذلك أن ما ينطبق على الإنسان، ينطبق على الدول كونها
محتوى أكبر للوعي الجماعي البشري.
الأديب اللبناني ميخائيل نعيمه ذكر في المجموعة الكاملة – المجلد التاسع، صفحة 745-
746: " ما دامت الدول تنمو كما ينمو الأفراد فلا بد لها من بلوغ فترة في حياتها
يتسرب فيها الانحلال الى جسدها ويقضي عليها في النهاية كما قضى على دول كثيرة في
سالف الأزمان".
نفهم من ذلك أن منطق الدولة، يأبى أن تتواجد ضمنها فئات تسعى الى تفكيكها وزعزعة
أسسها، بل يجب أن تكون داعمة لوحدتها. من خلال انتهاج منطق يؤسس للانفتاح والتواصل
والمشاركة الواعية بين جميع التيارات السياسية والطائفية، كي ينسجوا لحمة محورها
وحدة وطنية لا يمكن المس بها، مهما اشتدت الضغوطات علينا.
مما يجعلنا نتلمس مسارنا الصحيح، من خلال قوانين وقرارات ومراسيم صائبة ومنصفة،
تكسبنا حكمة عملية تصب في المصلحة العامة.
لذا كل دولة لا تسعى لتصحيح مسارها الذي يتناغم مع نظام الوعي الجديد... (الواحد –
المواطن، للكل – الدولة، والكل – الدولة، للواحد – المواطن)، سوف تكون عرضة لأحداث
مؤلمة... بهدف رأب الصدع في البنى: الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والإنسانية.
وبهدف انتهاج السعي الصحيح الذي يصب في المصلحة العليا، يتطلب تحقيق أمرين:
1- التوازن
الداخلي على المستوى الفردي، من خلال منهج حياتي يحقق التنوع الواعي بين متطلبات
وعي الظاهر ووعي الباطن...
2- التوازن الخارجي على
مستوى الدولة... من خلال نظام سياسي يحقق التناغم والانسجام في حركة التفاعل بين
أجهزة الحكم، وأيضًا مع المواطن.
مما يؤدي الى
تفعيل ثلاثية: مواطن- نظام حكم- دولة، محورها المشاركة الفاعلة والتكامل والعدل.
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية