عكس السير!...
جميعنا نسير! لكن قلة تلتزم المسار الصحيح... بينما الكواكب، والنجوم والشموس نراها في ديمومة حركة، تدرك مساراتها حول محورها، فلا ترتطم ببعضها.
البعض يسير قدمًا مدرك طريقه، فيما بيننا كثر لا يزالوا تائهين. مما قد يعرض هؤلاء للدخول في دوامة الألم، ريثما يوجهوا بوصلة وعيهم نحو باطنهم، بهدف توعية شعاعهم الروحي...
مما يدل، أن الإمعان في المسلك الخاطئ، تعتبر وجهة مخالفة لهدف وجودنا. كما تشير الى مدى ابتعادنا عن محور وعينا. وهذا يمكن ملاحظة بعض جوانبه في الشخصية البشرية، نتيجة الشرود الذهني، اللامبالاة، والحرية اللاواعية هدفها.
وهذا ما يدعونا إلى التساؤل، هل شبكة المواصلات البرية، يمكنها أن تعكس بدورها المسلك المخالف لمسار وعينا؟!
الانعكاس، يعكس جوانب من الحقيقة، لكنه لا يستطيع أن يلم بشموليتها. بالتالي يمكننا القول، أن شبكة المواصلات البرية، لا بد أن تكشف وجهة سير خاطئة، بالإضافة إلى الانسدادات الناشئة في تقاطعات الشبكة الذبذبية العقلية... المنعكسة في الدماغ البشري. وكأنما شبكة المواصلات بشتى أنواعها، مشابهة للشبكة الذبذبية التي تربط مسارات الطاقة بين مكونات وعينا الخفية...
لكن هل دومًا ’عكس السير‘ يعتبر تعبيرًا خاطئًا عن سلوكنا ؟! أم يشير في بعض الأحيان الى حكمة في التصرف؟!
في العرف العام، عكس السير هو عكس المسار الصحيح. لكن مقياس حكمة الفرد، تستشف من خلال عمق توغله في باطن وعيه الذي يمثل كلية الخير والدقة والانتظام. حيث التطبيق العملي يؤسس مستوى من اللحمة بين المخطط والهدف. ما يسمح بتفتح النبوغ والعبقرية والإبداع، جراء انسيابية الذكاء العملي على أطر الواقع، المزدحم بشتى تناقضات تجارب الحياة. بالتالي إن مستوى هذه اللحمة المحققة، تعكس نسبة الحكمة الفاعلة في النفس.
ولعل هذا ما يدفع شرطي السير، بأن يوجه حركة سير السيارات باتجاه مسلك مخالف، نتيجة الانسدادات في شبكة المواصلات البرية. كما قد لا يتوانى عن مخالفة الإشارة الضوئية، تلافيًا للوقوع بزحمة سير خانقة، نتيجة سوء التخطيط المدني.
يتبين لنا من ذلك، أن عكس السير ليست دومًا وجهة خاطئة، طالما لم تخالف وجهتنا نحو الحقيقة... بل هي فعل تفتح البصيرة، تنم عن حكمة عملية. بالتالي هي لا تعد انفلاتًا لحريتنا من قيود القوانين، بل إشارة الى مدى تفتح وعينا... لأن كل ما يصادفنا من تجارب حياتية، هي مبرمجة مسبقًا في باطن وعينا. وذلك بهدف توعيتنا الى مسار الحقيقة، نبض المعرفة الذي لا يكل أبدًا عن تحقيق ديمومة التفاعل مع محور وعينا الباطني...
ختامًا يطيب لي أن استشهد بما ورد في كتاب مرداد، للأديب اللبناني ميخائيل نعيمة (منشورات نوفل - الطبعة الثامنة 1991) في صفحة 120: " خير الكلام كذب بريء. وشر الصمت صدق عريان".
المهندس طوني عبد النور
أستاذ في الجامعة اللبنانية